الرئيسية » كتاب وآراء » أوروبا تتكتّل خلف الناتو.. أمن ذاتي على حساب أوكرانيا

أوروبا تتكتّل خلف الناتو.. أمن ذاتي على حساب أوكرانيا

|وسام اسماعيل

لم يساعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو على دفع الدول الأوروبية الغربية إلى تخطي عقدة الخوف من الخطر القادم من الشرق. وعلى الرغم من التطمينات التي أرسلتها روسيا بعد تفكّك الاتحاد، والعلاقات الشخصية المميزة التي جمعت الرئيسين الروسي والأميركي السابقين بوريس يلتسن وبيل كلنتون، إضافة إلى سعي روسيا لتطبيع علاقاتها الأمنية مع أوروبا، عبر إبداء نية الانضمام إلى حلف الناتو، ومحاولة تعميق العلاقات الاقتصادية، بما يوحي بمحاولة تحقيق اندماج روسي أوروبي، لم يبدِ الجانب الأوروبي استعداداً لملاقاة روسيا في خطواتها، إنما استند في تعاطيه مع الدولة الجديدة إلى استراتيجية أمكن توصيفها بسياسة القضم المتدرج للترتيبات الأمنية والسياسية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي.

وعلى الرغم من نفي الدول الغربية وجود وعود بعدم تمدّد حلف الناتو إلى دول الاتحاد السوفياتي السابق، مراعاةً لمتطلبات روسيا الأمنية، يفترض الإشارة إلى أنَّ فكرة الأمن الجماعي التي تدّعي الدول الأوروبية السعي لتحقيقها في القارة الأوروبية، لا تستقيم إلا عبر آلية تبتعد عن أطر الأمن الذاتي التي يبتغيها حلف الناتو.

إضافة إلى ذلك، تفترض الدبلوماسية الهادفة إلى حفظ السلم والأمن الدوليين العمل على منع وقوع النزاعات، من خلال تكريس أطر تفترض معالجة التناقضات بالأطر السلمية، من خلال تدابير تمنع تلك التناقضات القائمة في المصالح القومية من أن تفرض نفسها على العلاقات الدولية.

استطاعت الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب الباردة أن تجدد صلاحية الناتو، وتقنع دول الاتحاد الأوروبي بجدوى بقائه، عبر تظهيره كوسيلة لمنع ظهور التيارات القومية المتطرفة في القارة وتعزيز التكامل السياسي فيها.

في المقابل، لم يستطع الاتحاد الأوروبي، عبر مؤسساته ودوله الفاعلة، أن يقدّم نفسه كبديل فاعل يمكنه أن يحل مكان حلف الناتو، فالسعي الحثيث من جانب فرنسا وألمانيا من أجل تعزيز قدرة الاتحاد على الاستقلال أمنياً وسياسياً لم يُقابل بتشجيع أو قبول من قبل جزء كبير من الدول الأعضاء في الاتحاد، وخصوصاً الدول التي انضمت إليه بعد العام 1990.

القناعة التي كانت سائدة لدى تلك الدول، وخصوصاً دول الاتحاد السوفياتي السابق في شرق أوروبا، تفترض ضرورة بقاء حلف شمال الأطلسي كضامن أمني لها في وجه أيّ خطر مستجدّ، إضافةً إلى الاستفادة من المزايا التي يؤمنها الاتحاد الأوروبي القادر على انتشال اقتصاداتها من أزماتها.

لم تكن بعض دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، متمسكة بحلف الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ كانت تطمح إلى استبدال آليات أوروبية للأمن الجماعي به.

وإذا كانت هاتان الدولتان قد ارتضتا توسيع الاتحاد، عبر تسهيل اندماج دول أوروبا الشرقية التي التحقت بالاتحاد في العام 2004، فإن الغاية كانت تفترض الوصول إلى نمط من العلاقات المتداخلة والمتشابكة بين شرق أوروبا وغربها، وصولاً إلى ما يسمى “الوظيفية الجديدة” التي تتعامل مع العلاقات السياسية ولو بمستوياتها الدنيا.

وإذا كانت الدول التقليدية في الاتحاد الأوروبي لا تفترض في هذا التوسع مساراً موجهاً ضد الدولة الروسية، فإن الولايات المتحدة الأميركية هدفت، من خلال دعمها خطط التوسع، إلى تعقيد آليات عمل الاتحاد ومؤسساته، بما يؤسس لإشكاليات يصبح معها تحرر الدول الأوروبية من الهيمنة الأطلسية أمراً مستحيلاً.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد نجح، عبر أكثر من 3 عقود، في مواجهة بعض الأزمات الإقليمية والدولية، يمكن القول إنَّ الأزمة الأوكرانية أرخت بثقلها على الاتحاد الأوروبي، إذ شكلت العملية العسكرية الروسية، وفق المفاهيم الأوروبية، خطراً وجودياً يستدعي تدخلاً فاعلاً يتخطى بيانات الشجب والإدانة والدعوة إلى الاحتكام إلى الوسائل السلمية.

ولأنَّ الدعم ببعض المساعدات العسكرية أو التقنية، إضافة إلى حزمات العقوبات التي وصلت إلى خمسة، ويتم التحضير للسادسة، لا يمكن أن تحقق الهدف الأوروبي ضد روسيا، فقد أضحى الاعتماد على منظومة عسكرية وأمنية ضرورة حيوية.

ولأن الاتحاد الأوروبي فشل في نزع قراره الأمني والاستراتيجي من حلف الناتو، ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية، إذ إن النيات الفرنسية والألمانية التي عبر عنها سابقاً الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة السابقة أنجيلا ميركل حول ضرورة التخلي عن حلف الناتو لمصلحة إطار دفاعي أوروبي، لم تلق تجاوباً من دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً دوله الشرقية، أعلنت دول الاتحاد كافّة ولاءها لحلف شمال الأطلسي، ولم تتوانَ عن توصيفه كإطار مكمل لهيكلية الاتحاد الأوروبي الأمنية. ولذلك، شهدت الفترة التي تلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا سعياً لانضمام عدد من الدول الأوروبية، كمولدوفيا وجورجيا وفنلندا والسويد.

ولكنَّ المفارقة التي فرضت نفسها، أن أوكرانيا وجورجيا، وعلى الرغم من إعراب الحلف في قمة بوخارست 2008 عن ترحيبه بسعيهما للانضمام إليه، لم تستطيعا، بحسب بعض الدول الأوروبية، الحصول على صفة العضوية بحجة ضرورة إجراء إصلاحات في إطار خطة العضوية المحددة في الميثاق، إضافةً إلى ضرورة إجراء إصلاحات في الجانب العسكري، بما يعزز أمن الحلف ويجنب تقويضه.

ومقابل هذا التشدد، قُوبل القرار الفنلندي والسويدي بالانضمام إلى الحلف بترحيب جامع من الدول الأوروبية، إضافة إلى السعي لتذليل العقبات التي شكلها الموقف التركي الرافض، بحجة دعم فنلندا والسويد لحزب العمال الكردستاني.

لم تنظر الدول الأوروبية إلى سعي زيلينسكي للالتحاق بالحلف بوصفه دافعاً يفترض مقابلته بشيء من المرونة، فالعلاقات الدولية، وفق منظور الاتحاد الأوروبي، يُعبر عنها وفق مرتكزات الواقعية السياسية التي ترى في المصلحة وسيلة رئيسية لتحليل السياسة الدولية التي تهدف إلى المحافظة على القوة.

وعلى الرغم من اليقين الأوروبي بوجود خط أحمر روسي ضد انضمام أوكرانيا إلى الحلف، لم تتعاطَ الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية مع الساسة الأوكران بصدق يمكن أن يساهم في تنفيس أجواء الاحتقان التي أدت إلى اندلاع الحرب، فيما لو تم إعلامهم بصعوبة قبول دولتهم كعضو في الحلف، إنما تم التأكيد على النية بضم أوكرانيا ودعمها ضد أي عمل عسكري روسي يهدد سلامة أراضيها.

وإذا كانت حجة الأوروبيين أنَّ ضم روسيا شبه جزيرة القرم يشكل فيتو روسياً على عضوية أوكرانيا في الحلف، فإنَّ الفترة الفاصلة بين قمة بوخارست 2008 واستعادة القرم كانت كافية لقبول عضوية أوكرانيا.

لذلك، يمكن القول إن النية الأوروبية والأطلسية منذ قمة بوخارست أو حتى ما قبلها، لم تكن تهدف إلى بسط أسس الأمن الجماعي المستند إلى مبادئ القانون الدولي، إنما سعت إلى تحقيق الأمن الذاتي للقارة الأوروبية، وفق منظور الحريص على أمنه القومي، والساعي إلى الحفاظ على تفوقه، عبر محاولة إضعاف أي قوة يفترضها تهديداً له.

وبناءً عليه، أظهرت ردود الفعل المباشرة واللاحقة، الأوروبية والأطلسية، سلوكاً أوروبياً واقعياً أمكن توصيفه بمحاولة التكتل خلف حلف شمال الأطلسي والتضحية بأوكرانيا، عبر جعلها ساحة لقتال الجيش الروسي المتعطش إلى ضمان أمنه القومي عبر إبعاد الناتو عن حدوده الغربية.

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أي رئيس للبنان تريد “إسرائيل”؟

  نبيه البرجي   لبنان، سياسياً وعسكرياً، بات أكثر فأكثر، تحت الأشعة ما تحت الحمراء. الأدمغة اليهودية في وول ستريت كانت تعلم، وترصد، كيف ينزلق ...