ميخائيل عوض
انفجر صراع مسلح عنيف بين البرهان وحميدتي، لليوم السابع على التوالي، ودكت الأسلحة الثقيلة لدى الطرفين مؤسسات الدولة والمطارات ومناطق ومواقع استراتيجية وكسرت قرارات وقف النار الانساني. بينما لم تشهد المواقع وموازين القوى اي تبدل او اخلال وكأن كفتي الميزان متساويتان.
اخطر ما شهدته المعارك سيطرة قوات التدخل السريع على مطار مروي وتدمير طائرات ميغ ٢٩ مصرية وحجز ضباط وجنود ثم تسليمهم لمصر، عدا هذا الحدث لا تطورات تذكر.
انفجر الصراع المسلح بسبب رفض قوات التدخل السريع الاندماج في الجيش خلال سنة وطلبت قيادتها عشر سنوات على الاقل.
ما اسباب الصراع؟ ما الفوارق بين القوى المحتربة؟ اين الشارع وحراكه؟، اين القوى الدولية والاقليمية الفاعلة في الازمة؟ لمن يتبع هذا ولصالح من يعمل ذاك؟ اي حلول في الافق؟ أسئلة الحالة الجارية بلا اجوبة شافية..
لا فرق بين البرهان وحميدتي فكلاهما من بنية النظام السابق وضباطه وعدته، واذا كان البرهان ضابطا في الجيش فحميدتي منحه البشير رتبة عسكرية عالية دون ان يخضع لأية دورات اعداد عسكري. فعناصر قوته؛ انه كان تاجر مواشي ومهرب بشر، وبرز في احداث دارفور عندما شكل مليشيات الجنجويد يقال انها ارتكبت المجازر ثم تم ظمها لجيش البشير وعطي قائدها رتبة عسكرية عالية وفوضت قواته بحماية الحدود ومنع تهريب البشر وحماية مناجم الذهب والمرافئ. فتحولت قوات التدخل السريع الى مرتزقة يعملون عند حميدتي وليس في خدمة السودان وشعبه، وتحولت تجارته الى الذهب والمرتزقة يرسلهم الى ليبيا والى ليمن بمقابل جني الاموال وتامين تجارته غير الشرعية واقامة علاقات مع الدول والحكومات، وتمتين وضعه وحاشيته في السلطة ومؤسساتها.
قيل ان قوات الدعم السريع تتعامل مع فاغنر شركة الامن الخاص الروسية ذائعة الصيت، وهذه لا تعطي قوات الدعم السريع شرعية لا في السودان ولا في المحيط وكلاهما حميدتي والبرهان يقودان قوات اشبه بشركات الامن خاصة والمرتزقة، ما ينفي ان يكون الصراع بين امريكا وروسيا، او بين الامارات ومصر والسعودية. فالصراع بين شخصين وحاشيتهما على السلطة والمال والنفوذ.
والازمات بذاتها تستدعي تدخلات خارجية، وتصبح البلاد عرضة لاستلاب سيادتها اصلا اذا كانت سيدة، ويصير للخارج دورا ومصالح وحلفاء.
البرهان وحميدتي كلاهما مع التطبيع وإسرائيل اعلنت ان الخارجية تتحدث مع البرهان والموساد تتحدث مع حميدتي وهذه تكفي لتصنيف الرجلين ولماذا يحتربان.
كلا الرجلين ومن يأتمر بأوامرهما لا يمت بصلة للشارع وحراكه ومصالحه ولا يملك رؤية او برنامج او في تاريخه ممارسة تنم عن انه يحمل مشروعا وطنيا او اجتماعيا.
اذن؛ المحتربان من نفس الطينة والعجينة والبنية والمنبت والالتزامات.
هذا يفسر لنا حياد الشارع وحراكه واستقرار ميزان القوى بين الطرفين وعدم قدرة احدهما على حسم الصراع او الاخلال بتوازناته.
الاحتمال الارجح استمرار العنف طويلا وتحوله الى قتال من الثبات وتقاصف ونشوء خطوط تماس وبسبب حجم التداخل والانتشار يؤدي الى تعطيل الدولة ومؤسساتها والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الى زمن طويل.
المخارج من الازمة لن تتحقق بانتصار احدهما واذا نجح البرهان والجيش بحسم وتطهير مناطق ومدن فالتدخل السريع سينجح بتطهير مدن ومناطق وتنشا في السودان سلطات امر واقع وتقاسم نفوذ وهيمنة للطرفين وربما تتفلت مناطق اخرى لتهيمن عليها قوى من الامر الواقع، وهكذا تستمر الامور الى ان يحصل احد احتمالين؛
الاول ان يخرج من الجيش ضباط صغار يقودون تمردا ويتبنون برنامجا وطنيا اجتماعيا ويتحالفون مع القوى الوطنية والاجتماعية في الحراك الشعبي فتتقرر معطيات تبدا بالإخلال بتوازنات القوى يمكن لها ان تحسم الصراع بحرب طويلة ومتشعبة لإعادة توحيد السودان واقامة دولة مركزية والشروع بالبناء والنهوض.
الثاني؛ ان تسارع القوى الاقليمية والدولية لوضع اليد على الازمة بغية تجميد الصراع ومحاولات انتاج حل توافقي وهنا تستعيد الذاكرة تجربة الحرب اللبنانية التي شهدت تدخلات خارجية ابرزها قرار القمة العربية بإرسال مراقبين وقوات ردع عربية سرعان ما اصبحت سورية ووقعت البلاد ردحا طويلا تحت الادارة والنفوذ السوري وهكذا ستصير السودان تحت النفوذ والادارة المصرية كحل ممكن بقرار دولي اقليمي وبغياب الارادة الوطنية السودانية.
فالأقربون اولى بالمعروف لاسيما في ببيئة عالمية مأزومة ومحتربة وليس من جهة عربية او عالمية قادرة على ارسال قوات الا مصر وبعض الدول الافريقية ربما برعاية دولية ولن يكون حلا بدون دور مصري برعاية دولية او بقرار مصري تأمنت له الذرائع والدوافع.
حتى تنضج الظروف لاحد الخيارين دخلت السودان حقبة الاحتراب وانفراط عقد تفاهمات قوى الامر الواقع وتعايشها لإدارة الازمة، وما دفع الى انفراط عقد التحاص والتو افق بين القوتين هو الازمة لاقتصادية الاجتماعية العنيفة لتي تضرب السودان والمنطقة والعالم، وضمور الهيمنة الغربية، ودخول العرب والاقليم في عصر جديد اطلقته المصالحات العربية العربية والاسلامية الاسلامية بعد المصالحة بين ايران والسعودية.
فملامح وادلة دنو العصر الجديد ايضا تكمن في انفجار الصراع في السودان فلم يعد البلد وازمته تحتمل تحاصص وبات لزاما ان تحسم الامور لجهة او تفرض المعطيات بدائل.
وبظل صعوبة تامين بديل محلي فالبديل اقليمي وعالمي والاقليمي يعني المصري والمصري بحاجة الى السودان وثرواته لحل ازماته ولخلق خط تماس مع اثيوبيا في قضية سد النهضة والنيل، ومن واقعات استدعاء المصري ان الحدث الاهم في الصراع كان اقتحام قوات الدعم السريع مطار مروي وتدمير الطائرات المصرية على المدارج واحتجاز ضباط وجنود.
دول ونظم سايكس بيكو – وعد بلفور او بالأصح دول ونظم نواتج الحرب العالمية الاولى قد انتفت ظروفها وشروطها ووظائفها وباتت تنفجر على نفسها لتستدعي مشروعا لإعادة هيكلة العرب والاقليم كنظم وجغرافية لصالح التكبير بعد ان استنفذت استراتيجيات التصغير وتقسم المقسم والادارة بالفوضى والتحاص وبالفراغات وبالدول بلا حكومات.
الخلاصات الذهبية؛
١-بعد لبنان والصومال وليبيا والعراق جاء دور السودان لتأكيد نفاذ صلاحيات الكيانات والنظم التي صنعت لتخديم الخارج، وانتفت فرص وشروط ادارة الفوضى والتحاص والادارة بالفراغات والثورات بالقيادات والدول بلا حكومات وانحسار الهيمنة الاطلسية بدأت تترك مفاعيلها بمزيد من انهيار وانفجار الساحات والدول.
٢-الحاجة باتت ماسة لإنتاج نظم وجغرافية جديدة في العرب والاقليم قادرة على العيش في الظروف والتبدلات العالمية والاقليمية الجارية. فلبنان منهار وعاجز عن انتاج تسوياته وكذا السودان وكلاهما يستجدي تدخلا خارجيا واو تغير في الجغرافية والنظم.
٣- السودان يستدعي مصر لإدارته، ومصر تحتاجه لموقعه وجغرافيته ولثرواته. وشأن السودان سيكون غدا شان ليبيا والاخريات القاصرات.
فلبنان مثلا يستجدي علنا تدخلا سعوديا، والسعودية تصالح سورية واميرها قال لرئيس الوزراء ميقاتي لن نعود الى لبنان الا على الحصان السوري، ولن يستقر السودان ولن تهدا ليبيا الا بدور نوعي لمصر وهكذا شان اليمن والعراق وربما الاردن والساحة الفلسطينية ووحدة الساحات ووحدة الجبهات المستجدة نموذجا ومثالا ساطعا على ما سيكون وما يجب ان يكون في العرب والاقليم فالجغرافية القديمة لم تعد صالحة وفقدت النظم قدراتها على الاستمرار او التجديد والبدائل فوضى واحتراب ثم اعادة هيكلة وللقوى الكبرى دور محوري.
انه زمن الفوضى العالمية والاقليمية والتحولات الفرط استراتيجية في سياق ولادة العالم الجديد ومعه قيم وقوانين ونظم اقليمية ومحلية تتناسب معه.
انها احكام الأزمنة والجغرافية والحاجات.
(سيرياهوم نيوز4-الكاتب)&