آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أميركا والصين

أميركا والصين

عبد المنعم علي عيسى

الأربعاء, 19-05-2021

بشكل ما يمكن القول: إن القرن العشرين كان قرناً أميركياً على الرغم من أن صعود القوة الأميركية بشكل طاغ لم يخرج للعلن، أو هو يحظى بتسليم عالمي، إلا بعيد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها صيف عام 1945 بعد أن كانت خاتمتها أميركية في كل من هيروشيما وناغازاكي 6 و9 من آب هذا العام الأخير التي يصح توصيفهما بـ«صرخة» لولادة مارد جديد لم يلبث أن ارتدى عباءته بشكل رسمي ما بعد حرب السويس 1956، التي أزاحت كلاً من الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في آن واحد، وعلى الرغم أيضاً من أن الولايات المتحدة كانت قد تقاسمت السيادة العالمية منذ هذا التاريخ الأخير مع الاتحاد السوفييتي وصولا إلى عام 1989 الذي شهد انهيار حلف وارسو، الأمر عنى في مخرجاته سقوط اتفاق «يالطا» شباط 1945 الراسم لتقاسم مناطق النفوذ بين القوتين الصاعدتين، والمرسي أيضاً لمرحلة جديدة ستعرف في أدبيات السياسة باسم «الحرب الباردة».


كانت الألفية الثالثة في مطلعها تكريساً صارخاً لمبدأ سيادة القطب الأوحد التي سادت على امتداد العقد الأخير من الألفية المنصرمة، وقد ابتدأتها الولايات المتحدة بحربي أفغانستان 2001 والعراق 2003 اللتين جاءتا تعبيراً صارخاً عن الهيمنة الأميركية على العالم، ومنذ هذا الحدث الأخير الذي قرأ في دوائر السياسة العالمية على أنه مثال صارخ على اختلال في موازين القوى الدولية لمصلحة الولايات المتحدة التي احتلت المرتبة الأولى دون أن تكون هناك قوى أخرى تستحق التربع على عروش المرتبة الثانية أو الثالثة ولربما الرابعة أيضاً، مذ ذاك، والمحاولات لم تنفك تتوالى الواحدة تلو الأخرى لإعادة التوازن المختل في تلك الموازين، حيث الفعل هنا يمثل ضمانة أولى لحماية الأمن والاستقرار الدوليين، وكابحاً في الآن ذاته للمغامرات العسكرية، أقله من الأوزان الثقيلة، التي تفرضها المصالح بالدرجة الأولى، بدءاً من تأسيس منظمة شنغهاي التي دخلت حيز التنفيذ في أيلول 2003، وصولاً إلى تأسيس منظومة دول البريكس عام 2009 التي دعت في بيانها التأسيسي لقيام نظام عالمي ثنائي القطبية ثم متعدد الأقطاب فيما بعد.
كانت هاتان المحاولتان اللتان قامتا على الصين وروسيا بشكل أساسي، إرهاصاً مبكراً لتململ دولي ناجم بالدرجة الأولى عن إحساس قوى صاعدة بالجور الذي شكل قيداً صارماً على تنامي مصالحها الحيوية المتضاربة في كثير من الأحيان مع المصالح الأميركية التي كانت قادرة دائماً على ترجيح كفتها في مواجهة الأولى.


شكل إطلاق الصين لمشروع «الحزام والطريق» بدءاً من عام 2010 محاولة فردية لاستعادة ذلك التوازن بعدما تكشف حجم العثرات الكبير القائم أمام المحاولتين سابقتي الذكر انطلاقاً من اعتبارات عديدة أهمها أن توحد الهدف الذي كان يجمع بين أطراف ذينك التكتلين، لم يستطع أن يفرض إيقاعا للحركة موحدا فيما بينها للوصول إليه، وفي الغضون كانت سرعة الدوران التي تحققها عجلة الاقتصاد الصيني، وكذا التقدم التكنولوجي، قد أعطت ذلك المشروع نكهة مختلفة استدعت بالضرورة تزايد القلق على الضفة الأميركية بوجه خاص وعلى نظيرة غربية لها على وجه العموم، اختلاف النكهة هنا يعود إلى تقدير يقول: إن الحرب الباردة التي كانت قائمة مع الاتحاد السوفييتي تركزت على سباق تسلح في مضمار الأسلحة النووية فحسب، والأخير لم يكن يملك القدرات التكنولوجية التي تمتلكها الصين حالياً، ولا هو كان مالكاً للقدرات الاقتصادية أيضاً التي تمتلكها هذي الأخيرة، بل إن اقتصاده لم يصمد لأكثر من بضع سنوات حين خضع للاختبار الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغن عام 1983 حينما أعلن عن «مبادرة الدفاع الإستراتيجية» المعروفة بـ«حرب النجوم».


خرج وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر للمرة الثالثة في غضون عامين لا أكثر ليحذر من أن الصراع الصيني الأميركي قد دخل منعرجاً خطيراً ومعه «تفاقم خطر اندلاع حرب نووية خلال السنوات الأخيرة خاصة بسبب القوة الاقتصادية المتنامية للصين وقدراتها التكنولوجية» كان التحذير الأخير في تصريحات أدلى بها كيسنجر خلال منتدى نظمه «معهد ماكين للقيادة الدولية» بواشنطن ونقلت مجرياته صحيفة «التايمز» البريطانية يوم 3 أيار الجاري، ومن أهم ما جاء فيها: «إن التقدم المتسارع في مجالي التكنولوجيا النووية والذكاء الاصطناعي، حيث تحتل فيهما الصين والولايات المتحدة مركز الصدارة، كان قد ضاعف سيناريو فناء البشرية»، وقبلها كان كيسنجر قد قال واعظاً على صفحات مجلة «ذي فيلت» الألمانية: إن «على أميركا والصين السعي لإرساء نوع من التعايش فيما بينهما في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدلاً من السعي لدى كل طرف للتغلب على الآخر».


كيسنجر ليس شخصاً عادياً، فهو إضافة لخبرته السياسية الكبيرة، كان مهندساً للتقارب الصيني الأميركي الحاصل في عام 1971 والذي قاد بعد نحو عقدين من الزمن إلى انقلاب هائل في موازين القوى العالمية، والمؤكد أن حسابات كيسنجر بعيدة المدى في حينها هي التي جعلته يعطي الصين «نصف» ما تطلبه، فبعد تلك الزيارة تم اعتماد جمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي للشعب الصيني بدلاً من تايوان التي كانت تحظى بذلك التمثيل، حيث ستصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 2758 للعام 1971 الذي يقضي بذلك، وفي حينها لربما، تبعاً لحالة الاحتياج الأميركية للصين في صراعها الدائر مع الاتحاد السوفييتي آنذاك، كان من الممكن انتزاع اعتراف واشنطن بالسيادة الصينية على تايوان الأمر الذي لم يحصل ولربما تكمن هنا «براعة» كيسنجر الذي استطاع إبقاء تلك الحالة «شوكة» في الحلق الصيني لا تزال قائمة ومن العسير اليوم اقتلاعها تبعاً لمعطيات عديدة.


مشكلة الصراع الصيني الأميركي أنه بات اليوم بالغ التعقيد، ومتنوع المحفزات التي منها ما يتعلق بالسيطرة الجيوسياسية، ومنها ما يتعلق بالجيواقتصادية التي تتمثل في محاولة الطرفين التمدد لجني المكاسب على شتى الجبهات، أما الآفاق التاريخية فتقول إن الصراع سيستمر لوقت طويل بعيداً عن «الوعظ» ومحاولات التوافق، واللافت هو أن هناك مجموعة من الباحثين والمؤرخين الأميركيين يرون أن سماح الولايات المتحدة للصين بالاستيلاء على تايوان سيكون بداية لانهيار الإمبراطورية الأميركية تماماً كما كان تأميم قناة السويس عام 1956 بداية لانهيار الإمبراطورية البريطانية.
هذه الرؤية التي يرجح أنها تغوص عميقاً في دوائر صناعة القرار الأميركي من شأنها أن تحيل كل طروحات الوعظ ومحاولات ضبط إيقاع الصراع إلى صرخات للحالمين بالسلام والاستقرار لا قيمة سياسية مهمة لها.

(سيرياهوم نيوز-الوطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إسرائيل لن ترد؟! واذا ردت ستتلقى صفعة كاسرة وتخسر وجودها

  ميخائيل عوض الشغل الشاغل للجميع؛ هل سترد اسرائيل على ايران؟؟ متى سترد؟ ما هو حجم وطبيعة الرد؟ وماذا عن الرد الايراني؟ حقا يجب ان ...