آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » “الأمل بالعمل”، شعار الرئاسة السورية …هل يتحقق؟

“الأمل بالعمل”، شعار الرئاسة السورية …هل يتحقق؟

سامي كليب :

لا شيء أكثر من “الأمل” تحتاجه سورية بعد عشر سنوات من حربها الضروس. ولا قدرة للسوريين أصلا على تحمّل أي شعار آخر غير الأمل، بعد كل ما أصابهم من قتل ودمار ثم فقر وإنهيار لعملتهم الوطنية، ووقوفٍ في صفوف طويلة بإنتظار ربطة خبز أو قارورة غاز أو بعض ليترات من البنزين. الشعارُ ليس جديداً، وقد استُخدم مراتٍ عديدة إما لغايات سياسية عبر كلمة الأمل ” Hope” التي نراها في معظم شعارات الرؤساء الأميركيين ( خصوصا مع الرئيسين باراك أوباما و دونالد ترامب)، أو لغايات تجارية وإقتصادية ، ومنها مثلا ” Hope in work ” ( الأمل بالعمل) الذي بدأ يظهر في فرنسا منذ العام 2017 عبر إنشاء مكاتب مستقلة تجمع موظفين ومدراء وخبراء في مكان واحد مفتوح بغية خلق مناخ مناسب للإنتاج. كذلك استُخدم كشعارٍ رياضي طبي بعنوان ” for hope Walk ” ) السير لأجل الأمل) وذلك للحفاظ على الصحة ومكافحة السرطان. شعار ” الأمل بالعمل” يخاطب أيضا الموروث الديني عند المسلمين والمسيحيين وذلك لما يزخر به القرآن والإنجيل من عبارات الأمل، التي تدفع الإنسان للتمسك بالإيمان بالله وبالغد، خصوصا في ساعات اليأس والألم والفقر وغيرها. وهو ما اختصرته الحكمة البوذية الشهيرة :” الأمل مقرونٌ دائما بالمعاناة”. الأمل هو أذا أكثر ما يحتاجه المواطن السوري اليوم، أكان مواليا أو معارضا. أكان في الداخل أو الخارج. واي انتخابات رئاسية أو نيابية أو بلدية لا تحمل أملا، لن تلق سوى تجاهل السورييين أو امتعاضهم. لذلك سيكون شعار ” الأمل بالعمل” على المِحَكِّ، حيث يريد السوريون أن يعرفوا ما هو الأفق بعد الانتخابات . ذلك أن بعض الشعارات السابقة، أتت بنتائج معاكسة تماما ومنها مثلا ” عيشها غير ” الذي أُطلق عام 2015 لتخفيف معاناة السوريين، فتضاعفت معاناتهم وسقط الشعار في أتون السخرية. ليست نتيجة الإنتخابات الرئاسية هي المهمة، فهي محسومة سلفا و كل شيء يُشير الى بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة، لكن ثمة أمرين لا بُدّ من انتظارهما، الأول هي نسبة المقترعين الحقيقيين، والثاني ما هو المشروع الذي سيقوم بعد الانتخابات لتحقيق شعار ” الأمل بالعمل”. لنتذكر أنه في خطاب القسم الأول للرئيس الأسد بعيد توليه السلطة في العام 2000 كرّر عبارة «ظروف صعبة تمرّ بها سوريا» 7 مرات، ما يعني أنَّ تركيزه الأول في مستهل حُكمه كان على استنهاض الاقتصاد الذي تكررت عبارته في الخطاب نفسه 7 مرات أيضًا، وكان الأسد ينتقد بعض السّياسات الاقتصادية السّابقة خلافًا للثوابت السّياسية والأيديولوجية التي دعا للحفاظ عليها. وقد وردت عبارة «نقد» 6 مرات، لكنّ بعضها كان يُراد به أن يكون نقدًا موضوعيًا لا ناسفا لما سبق. بعد 21 عاما، من الحُكم، تجد سورية نفسها في وضع إقتصادي إنهياري تماما كلبنان. و ” الظروف الصعبة” التي كانت في العام 2000 مقبولة جدا نظرا للاكتفاء الذاتي السوري شبه الكامل من الغذاء والدواء والتعليم، صارت اليوم شبه مستحيلة، بعد سنوات الحرب والحصار والعقوبات وحرمان السلطة المركزية من مصادر ثروة ما تزال تحت الاحتلال التُركي-الأميركي أو في قبضة أحزاب كُردية. النهوض الاقتصادي أذا هو المطلوب والمُلّح للفترة القريبة المُقبلة، ذلك أنه العنوان الثاني لخروج سورية من الحرب، بعد اختفاء أصوات المدافع بنسبة كبيرة. وهذا النهوض لن يتم بلا مصالحة سورية شاملة وحقيقية تطوي صفحة الويلات وتدفع الجميع للانخراط بورشة كبيرة تُشعر كل سوري بأن لا فرق بينه وبين أي سوري آخر سوى بالوطنية القافزة فوق الطوائف والمذاهب والانتماءات الضيقة داخليا والولاءات الخاطئة خارجيا والتي دمّرت الوطن. ” العمل” المذكور بالشعار إذا ليس مشكلة، فكل سُوري يحلُم اليوم بأن يعمل اذا توفّرت أي فرصة للعمل ، لكنه يُريد الأمل بأن عمله اليوم (اذا توفّر) سيُحسّن وضعه غدا، وينتشله من الحال المُزري اقتصاديا الذي هو فيه. وهذا للأسف ليس مرهونا فقط بالداخل وإنما بالتحولات الحاصلة في المنطقة، لجهة إستمرار الانفراجات السياسية إقليميا ودوليا أو أنهيار آمال الحوار والتفاهمات . فمهما فعل السوريون لوحدهم، لن يستطيعوا تحسين حياتهم، بلا استثمارات عربية وخصوصا خليجية ، وهذه تفترض معرفة مآلات الحوار الإيراني مع أميركا والسعودية. يقول الباحث الإجتماعي وعالِم اللسانيات الفرنسي جاك إيللول في كتابه ” البروباغندا” : إن الدعاية السياسية والشعارات في عصرنا ما زالت تعتمد على الغرائز والموروثات أو على ما يسمّيه ب ” المعارف الغرائزية” . فالتركيز على صورة المرأة مثلًا في الدعاية التجارية يخاطب الغرائز الأولى عند الإنسان؛ ووضع المناظر الطبيعية والمروج الخضراء والأشجار والمراعي خلف صورة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران في حملات الانتخابات الرئاسية يخاطب الغرائز الأولى عند الإنسان وعلاقته البدائية بالطبيعة. تشمل الغرائز الأولى التي تستند إليها الدعاية السّياسية، حقلًا كبيرًا من المشاعر الإنسانية، بينها الرغبة والخوف والقلق والحب والمأكول والمشروب والجنس والامتلاك والنجاح. يكفي أن يضع أرباب حملة المرشح باراك أوباما عبارة “Yes We Can” حتى يخاطبوا الغرائز الأولى أيضًا عند الإنسان المتعلقة بالأمل والنجاح في أمر ما وبالقدرة والقوة والعزيمة والانتصار. لا تحتمل مشاعر السوريين حاليا ولا أوضاعهم، شعارات تتحدث عن ” انتصارات” ولا يتقبلون شعارات كالتي انطلقت مع الانتخابات الرئاسية للعام 2014 : ” سورية تنتخب”، والتي رد عليها معارضون بشعار :” سورية تنتحب”،أو شعار ” علّي صوتك وإنتخب ” والتي رد عليها المعارضون ب ” وطّي صوتك ولا تنتخب ” ذلك أن حاجاتهم الأساسية حاليا تتعلق بالاقتصاد وبالحصول على لقمة عيشهم بكرامة. وتشير كل أبحاث علوم الاجتماع الى أن “أي شعار لا ينسجم مع الواقع المحيط به، يتحول الى نقيض مبتغاه”. بعد الحرب العسكرية الطاحنة، والمعركة السياسية المستمرة بين السلطة والمعارضة، والتقلبات الإقليمية والدولية الضبابية حتى الآن، يريد السوريون أملا بالنهوض من كبوة أوضاعهم المعيشية، وكل شعار غير ذلك سيسقط، لذلك تم اختيار ” الأمل بالعمل” ليناسب تماما المرحلة الحالية ، فهو لا يغالي ولا يعد بشيء كبير. لعل التواضع في هذه المرحلة هو ما يريده كل سوري راغب بأن يكون الأمل هذه المرة حقيقيا. وكما يقول الفيلسوف أندريه مالرو :” إن الكون بلا أمل يختنق”. سورية إحدى اقدم حضارات التاريخ البشري إختنقت مرارا لكنها صمدت، ولعل حربها الحالية ستُدرّس في أبرز معاهد العلوم السياسية والحربية في العالم، نظرا شراستها واشتراك معظم دول العالم فيها الى جانب هذا الطرف أو ذاك، وهي لذلك بحاجة الى الأمل بمشروع حقيقي للنهوض يختلف عن كل ما سبق، بعدما أدرك جميع السوريين ( وفق تصريحات السلطة والمعارضة)، أن المطلوب كان إطالة الحرب أكبر قدر ممكن. فهل يتحقق الأمل ولا يبقى شعارا؟

(سيرياهوم نيوز-5نجوم 18-5-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“العم سام”.. الرقصة الأخيرة….

    باسل الخطيب   7/2/2022 كان يوماً مفصلياً في تاريخ الولايات المتحدة، حيث وقع الرئيس بايدن قانوناً يحد من حيازة الأسلحة النارية للأفراد… قبل ...