حسن حردان
عشية انتهاء المهلة، التي أعلنت إيران أنها ستوقف بعدها العملبالبروتوكول الإضافي، سارعت واشنطن إلى الإعلان عن ثلاثخطوات تراجعية، بالشكل، تجاه طهران، معتقدة أنها ستكونكافية لإقناع القيادة الإيرانية بعدم مواصلة إجراءات وقفالتزاماتها بالاتفاق، والتجاوب مع الدعوة الأميركية للدخول فيمفاوضات مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا.. وهذه الخطواتهي:
اولاً، سحب الطلب الذي قدّمته إدارة الرئيس الأميركي دونالدترامب إلى الأمم المتحدة لإعادة فرض عقوبات دولية علىإيران.
ثانياً، إعلان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أنّواشنطن ستقبل دعوة أوروبية للمشاركة في اجتماع الدول 5+1 وإيران لبحث برنامجها النووي.
ثالثاً، رفع القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيينفي نيويورك.
غير أنّ هذه الخطوات الأميركية، على الرغم من أنها تمثل إشارةإيجابية بالشكل بأنّ إدارة بايدن تبدي مرونة للعودة إلى الاتفاق،لكنها في حقيقتها خطوات ناقصة لا تلبّي مطلب إيران الجوهريالأساسي وهو رفع كلّ العقوبات التي فُرضت عليها بعد انسحابإدارة ترامب من الاتفاق. فالعودة إلى الاتفاق من وجهة نظرطهران يجب أن تكون غير مشروطة وأن تقترن برفع كاملللعقوبات، وعندها فإنّ طهران سوف تعود إلى الالتزام الكاملبالاتفاق.. وهذا الأمر لا يحتاج إلى تفاوض.
من هنا يبدو أنّ استعداد واشنطن لتلبية الدعوة لاجتماعالخمسة زائداً واحداً مع إيران للبحث في سبل العودة إلىالمسار الدبلوماسي، يحمل في طياته مناورة ومحاولة تذاكٍ منقبل إدارة بايدن لاستدراج طهران إلى فخ التفاوض حول الاتفاقلإدخال تعديلات عليه، تحت سيف استمرار العقوبات.. وهو أمرلا ينطلي على القيادة الإيرانية، التي أعلنت انّ الأمر بسيط وهو لايتطلب سوى عودة واشنطن غير المشروطة إلى الالتزام العمليبالاتفاق ورفع العقوبات، وأنّ إيران تريد أن تلمس ذلك فعلياًعلى أرض الواقع وليس فقط بالتصريحات، أيّ تريد أفعالاً لاأقوالاً فقط، لأنّ المؤمن لا يُلدَغ من الجحر مرتين.. بعد التجربةالمُرة مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين الذين تنصّلوا منالتزاماتهم بالاتفاق الذي بقيت إيران تنفذه وحيدة على مدىسنوات.
أما ان تُقدم واشنطن على التراجع عن بعض الخطوات الشكلية،فإنها لا تعدو مناورة خبيثة هدفها خلق مناخ دولي يضغط علىطهران لقبول وقف أيّ إجراءات جديدة، والموافقة على تلبيةالدعوة لاجتماع الخمسة زائداً واحداً.. بحيث تكون المحصلة،تراجع إيران وقبولها العودة إلى طاولة المفاوضات، مع استمرارالعقوبات، أيّ التفاوض من جديد على سبل العودة إلى تنفيذالاتفاق، فيما المطلوب هو عودة واشنطن إلى الالتزام بالاتفاقالذي انسحبت منه.. وليس العودة إلى التفاوض من جديد.. الأمركان قد شكل أحد الأهداف التي أراد ترامب تحقيقها عندماانسحب من الاتفاق، وهو إجبار طهران على التفاوض لتعديلالاتفاق، واستخدم سلاح تشديد الحصار على إيران لتحقيقمطلبه المذكور، غير أنّ إيران رفضت ذلك بشدة وتحمّلتوصبرت ونجحت على مدى أربع سنوات في احتواء الآثار السلبيةللقرار الأميركي الذي التزمت الدول الغربية به عبر انسحابشركاتها من إيران ووقف التعامل الاقتصادي معها…
اليوم تحاول إدارة بايدن مواصلة هذا النهج الترامبي لكنبأسلوب الدبلوماسية التي تنصب الفخاخ لإيران لدفعها إلىالتراجع أمام واشنطن.. تماماً كما تفعل في اليمن من خلالالدعوة لوقف الحرب المصحوبة بتجميد صفقات السلاحللسعودية، مقابل وقف «أنصار الله» والجيش اليمني عملياتهمالعسكرية لتحرير محافظة مأرب، والجلوس إلى طاولةالمفاوضات، فيما يستمرّ الحصار الخانق على اليمن، والعدوانعلى الجبهات الأخرى… هو ما رفضته حركة «أنصار الله»…
والردّ الإيراني على المناورة الأميركية المكشوفة والمفضوحة،جاء سريعاً وحازماً، لا يقبل المساومة، على لسان مساعد رئيسالبرلمان الإيراني أمير عبد اللهيان، الذي شدّد على انّ طهران لنتنتظر الاجتماعات والتقاط الصور والوعود الفارغة للبيت الأبيضوالترويكا الأوروبية، وأنها ستوقف تنفيذ العمل بالبروتوكولالإضافي إذا لم تنفذ بقية الأطراف في الاتفاق التزاماتها.
هذا يعني أنّ الكرة لا تزال في ملعب الأطراف التي تنصّلت منتعهّداتها، لأنّ إيران أكدت أن لا جدوى من الكلام والوعود التينقضت، وأنها تريد أفعالاً من أطراف الاتفاق النووي، لأنّ الردّسيكون متناسباً مع الإجراءات التي تتخذها الأطراف الأخرى.. وليس هناك في الأفق ما يؤشر إلى أنّ إدارة بايدن لديها منخيارات سوى الاستجابة لمطالب إيران المحقة، إذا كانت تريدالحفاظ على الاتفاق وعدم انهياره…
(سيرياهوم نيوز-البناء20-2-2021)